تعتبر الوظيفة التأديبية، من بين أبرز الوظائف المسنودة، بمقتضى النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، للجان المتساوية الإدارية الأعضاء، داخل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. وذلك حرصا من المشرع على ضمان حقوق الشغيلة من جهة، وضمان السير العادي للمرافق العمومية من جهة ثانية.
غير أن الملاحظ، على مستوى جهة سوس ماسة، أن الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، بمعية بعض مديرياتها الإقليمية، تلجأ إلى تحريك مسطرة المتابعة التأديبية انتقائيا في حق موظفيها، بشكل تعسفي، وانتقامي، ومبالغ فيه. وهو ما دفع الكثير من الأطر والهيئات ذات الصلة بالقطاع التعليمي، إلى التساؤل: هل تحولت اللجان الثنائية المتساوية الأعضاء، بهذه الأكاديمية من مجالس تأديبية، إلى محاكم لتصفية الحسابات الضيقة للمسؤولين؟
وفي استقراء أغلب القرارات التأديبية، الصادرة عن الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة سوس ماسة، يمكن تسجيل نزوع هذه الإدارة نحو الغلو في توقيع العقوبات التأديبية على موظفيها، مما يفيد أن تصورها للفعل التأديبي، يتجاوز الأصل الذي يتوخى الحفاظ على السير العادي للمرفق العمومي، وإصلاح الأخطاء المهنية التي يرتكبها الموظفون، إلى ترسيخ فلسفة جديدة للفعل التأديبي، قائمة على جعل المجالس التأديبية أداة لممارسة التعسف، والانتقام، والتركيع، في حق الموظفين المشاغبين، أو الذين ينتقدون الإدارة. هذا مع العلم أن المشرع قد نص في المادة 161 من النظام العام الأساسي للوظيفة العمومية، على ضرورة احترام القرارات التأديبية لمبدأ التناسب، أي التناسب بين الخطأ المهني والعقوبة المُرَتَّبَة عنه. وهو ما يفيد أن الأكاديمية لا تولي أدنى اعتبار لقرارات القضاء الإداري، سبق له في أكثر من نازلة، أن قضى بمؤاخذة الإدارة الجهوية بسبب استغلالها السلطة التقديرية الممنوحة لها في مجال توقيع العقوبة التأديبية، من أجل تصفية الحسابات، وهي العلة المعروفة قانونا بالخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه.
وبالعودة إلى القانون رقم 90-41 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية، فقد نص على أن جميع القرارات الإدارية السلبية، تقع تحت الرقابة القضائية للمحاكم الإدارية، لا سيما تلك القرارات الإدارية التي من شأنها أن تمس بالمركز القانوني للموظف العمومي، وتحدث له أضرارا مادية ومعنوية في حياته المهنية، غير أن الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة سوس ماسة، لم تحترم سمو القضاء على اللجان الثنائية، حين أصرت على تفعيل مسطرة المتابعة التأديبية في حق الأستاذ “عمر أوزكان”، رغم أن جميع القرارات الإدارية – التي شكلت منها الأكاديمية تعسفيا ملفه التأديبي، كلها قرارات مطعون فيها بالإلغاء أمام المحكمة الإدارية بأكادير. فكيف يمكن للمجلس التأديبي أن يبث في ملف، كل القرارات المشكلة له، مطعون فيها بالإلغاء ومعروضة أمام القضاء، الذي لم يبث فيها بعد؟!
بل الأدهى من ذلك، أن مدير الأكاديمية، الذي تجمعه علاقة متوترة مع الأستاذ المعني، بلغت أطوارها القضاء العادي، قد أصر على التلاعب بقرارات اللجان الإدارية الثنائية المتساوية الأعضاء، حيث سبق للجنة المسنود إليها التداول والنظر في الملف التأديبي للأستاذ المعني، أن قضت بتاريخ 14 يوليوز 2022، بإرجاء البث في ملفه، معللة قرارها بأنه “معروض على القضاء”. غير أن الأكاديمية ستضرب عرض الحائط بقرار اللجنة، حين فاجأت المعني بالأمر باستدعائه مرة أخرى يوم 15 شتنبر 2022. وهو ما دفع اللجنة مجددا، لتؤكد في محضرها إرجاء البث إلى حين بث المحاكم الإدارية في الملفات المعروضة عليها. ليقرر بعد ذلك مدير الأكاديمية، في خرق خطير، يستوجب تدخل وزير التربية الوطنية لوضع حد للتسيب، والفوضى، والمزاجية التي يشتغل بها مدير الأكاديمية، استدعاء أعضاء المجلس التأديبي للبث في ملف الأستاذ المذكور، رفقة أستاذة أخرى، دون استدعائهما للدفاع عن نفسيهما. وهو ما يشكل خرقا سافرا، وخطيرا لمبدأ المحاكمة العادلة، القائمة على أساس ضمان حقوق الدفاع، والتمتع بالضمانات التأديبية المكفولة لهما قانونا. غير أن استدعاء النقابات، في وقت متأخر جدا ( 12 ساعة قبل انعقاد المجلس التأديبي) قد حال دون وقوع تلك الجريمة، بعدما قاطعت أغلب النقابات جلسة 14أكتوبر التي تأجلت لعدم اكتمال النصاب القانوني .
يكشف هذا الوضع الخطير بالملموس، كيف أن قرارات الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة سوس ماسة، لا سيما في مجال المتابعات التأديبية للموظفين، موسومة بالمزاجية، والشطط في استعمال السلطة، بغاية تصفية حسابات شخصية بين الإداريين والموظفين الواقعين تحت سلطتهم المباشرة. وهو الأمر الذي يكشف عنه بوضوح، ملف الأستاذ عمر أوزكان، الذي يتعرض منذ مدة طويلة لسلسلة من المضايقات التي وصلت حد فبركة ملفات انتقامية في حقه، وتهديده من طرف مدير الأكاديمية بتمرير عجلات سيارته رباعية الدفع عليه، لا لشيء، إلا لنشاطه النقابي والاعلامي الذي ينتقد فيه مظاهر الاختلالات وسوء تدبير المنظومة التربوية على صعيد الأكاديمية ومديرية تيزنيت. وأمام هذا الوضع الخطير، فإن وزير التربية الوطنية مطالب، بالتدخل العاجل والفوري، لإعادة الأمور إلى نصابها، وحماية موظفيه، وتوفير ظروف العمل الملائمة لهم.
وقد أكد في هذا الصدد، الناشط الأمازيغي والأستاذ، عمر أوزكان، أن انتقاده لطريقة تعامل الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة سوس ماسة، مع تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وهيكلةوتدبيرها لم يرض مدير الأكاديمية ومرؤسه الأول على صعيد المديرية الإقليمية بتيزنيت. وهو ما جعلهما يتماديان في التضييق عليه، بأساليب يشوبها التجاوز والشطط في استعمال السلطة. وأضاف أن الرد سيكون قويا، حيث قرر أن يخوض اعتصاما مفتوحا، مرفوقا بمبيت ليلي، مع الإضراب عن الطعام في بهو المديرية الإقليمية والأكاديمية الجهوية، مدعوما بالنقابات والتنسيق الميداني الذي شكلته هيئات وفعاليات أمازيغية، محليا وإقليميا ووطنيا.
وعلم من مصادر مطلعة، أن ممثلي الموظفين، في المجلس التأديبي، يشتكون مما يقدم عليه الموظف المكلف بوحدةةالشؤون التأديبية، الذي يحضر جلسات المجالس التأديبية رغم عدم توفره على الصفة، بصفته مقرر المجلس من بتر وتحوير لتدخلاتهم وللقرارات التي يتخذونها، وذلك بتضمين محاضر الجلسات عكس ما يتم تداوله، أو ببتر بعض العبارات والقرارات، لتصبح في صالح الإدارة. وللتدليل على هذا الاتهام الخطير، الذي من يضرب في العمق مصداقية محاضر الجلسات، أضاف ذات المصدر المطلع، أن أعضاء المجلس التأديبي قد قرروا “تأجيل البت في الملف لحين حسم القضاء فيه”، غير أن المقرر المعني قد قام بتر عبارة “لحين حسم القضاء فيه”، واكتفى فقط بتحرير عبارة “تأجيل البث في الملف”، وهو سلوك تحوم حوله شبهة التزوير والتواطؤ مع الإدارة، حيث أن الأكاديمية، قد سارعت إلى الدعوة مجددا إلى انعقاد المجلس التأديبي دون انتظار بث القضاء في القرارات المطعون فيها بالإلغاء، وهي نفس القرارات المشكلة للملف التأديبي للأستاذ أوزكان. وتعليقا على هذا الخرق الخطير، أكد الأستاذ أوزكان، أنه يعتزم اللجوء إلى القضاء، من أجل رفع دعوى قضائية في شأن تزوير محررات اتخدت صبغة رسمية ضد الموظف المعني ورئيس اللجنة 10م/20 ومديؤ الأكاديمية لدى قاضي التحقيق المحكمة، فيما راسل محاميه ديوان الوزير والكاتب العامزللوزارة لوضعه في صورة مايجري من تلاعبات في هذا الملف.
وفي الوقت الذي تتم فيه فبركة الملفات التأديبية، للمدرسين المشهود لهم بانخراطهم في الفعل النقابي والجمعوي والإعلامي، تم تسجيل تستر من قبل الأكاديمية ومديريتها بتيزنيت، على ملفات منها منها ملف ثبت فيه سرقة ملايين كثيرة من ميزانية إحدى الداخليات، إسوة بالتستر الذي تنهجه الإدارتان مع الموظفين الأشباح.
وجدير بالذكر أن صراع الأستاذ أوزكان مع المدير الإقليمي لتيزنيت النهدي الرحيوي، الذي سبق وأن وصفه، بعد زيارته إلى إسرائيل بالأمازيغي المتصهين. يعود إلى الدعوى القضائية التي رفعها الأستاذ المذكور للطعن في الحركة الجهوية، عندما كان المهدي الرحيوي، مكلفا بتدبير الأكاديمية، في الملف عدد 305/7110/2015. وهي الدعوى التي قضت فيها المحكمة بإغاء القرار السلبي للحركة، تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 1000 درهم عن كل يوم تأخير. غير أن المهدي الرحيوي، المكلف بتدبير الأكاديمية حينها، قد امتنع عن تنفيذ حكم المحكمة لمدة ثلاث سنوات، مما أفضى إلى تراكم غرامات تهديدية خيالية مازالت معروضة على القضاء. هذا فضلا عن دعوى أخرى باشرها الأستاذ أوزكان في شأن المسؤولية الإدارية والتقصيرية، للمهدي الرحيوي. وهو الأمر الذي دفع هذا الأخير، وبتنسيق مع مدير الأكاديمية، للضغط عليه بشتى الوسائل، بما فيها الإحالة انتقاميا، على المجالس التأديبية.