عمر أوزكان
“ألَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ”سورة هود الآية 78 هكذا خاطب لوط عليه السلام قومه لما رأى منهم الإصرار على الغي وإتيان منكرات الفعل. وهكذا يجب علينا أن نخاطب أهل “الحل والعقد” بالمديرية الإقليمية للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة بإقليم تيزنيت. ففي كل مرة يقترفون فيها فعل التواصل إلا ويأتون شيئا نكرا.
لقد أقدموا مؤخرا في إطار سياسة الترقيع ومكيجة الواجهة البئيسة للفعل التدبيري بتيزنيت على نشر صورة لاجتماع جمع المدير الإقليمي بكل من رئيس جمعية صفوف الشرف للتنمية والأعمال الاجتماعية، ومندوب وزارة الصحة، ومديرة المركز الاستشفائي الحسن الأول، ورئيس مصلحة الشؤون التربوية ورئيس مكتب الأنشطة التربوية بغاية الإعداد للحملة الصحية بالوسط المدرسي. غير أن قراءة سيميائية لهذه الصورة ستصيب المرء بالدوار وستجعله فاغرا فاه إذا ما أمعن النظر في التوظيف الأيقوني لصورة جلالة الملك داخل فضاء الاجتماع. فوراء رئيس الاجتماع، المدير الإقليمي، وضعت صورة صغيرة لجلالة الملك غير بعيد عن زاوية القاعة. وبغض الطرف عن عدم الحرص على جعلها تتوسط الجدار، فإن صورة ملكية أخرى، ذات حجم كبير، تظهر على الجدار الثانوي على يسار رئيس الجلسة، الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل: لماذا لم يتم وضع تلك الصورة في مركز الجدار الرئيسي؟ ولماذا تم الإبقاء على صورة لجلالة الملك تم استبدالها بصورة رسمية جديدة وبمقتضى منشور رئيس الحكومة رقم 15-19 بتاريخ 23 شتنبر 2019. تلكم مجرد أسئلة بريئة.
وفي سياق مواكبة الفعل التواصلي للمديرية دائما، نشر السيد المدير الإقليمي تهنئة بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم، وليته لم يفعل. ذلك أنها مثخنة بالأخطاء والسقطات التي كان حريا بسيادته أن يتحاشاها وهو من هو في سلم الهيئة الموكول إليها مجتمعيا، تربية النشء ومواطني الحاضر والمستقبل. وإليكم نص التهنئة، وإليكم التعليق:
“بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك لعام 1443، يسعدني أن أتقدم إلى كافة أسرة التربية والتكوين، والتلميذات والتلاميذ وكافة الأمهات والآباء وأولياء التلاميذ بإقليم تيزنيت، وإلى كل الفاعلين والشركاء، بأصدق عبارات التهاني وأطيب المتمنيات، سائلا المولى عز وجل أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال وأن يكلل أعمالنا بالتوفيق والنجاح، وأن يوفق مساعينا لما فيه خير ناشئتنا وبلدنا تحت القيادة الرشيدة لعاهلنا المفدى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. وكل عام وأنتم بخير.
المدير الإقليمي للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين سوس ماسة بتيزنيت المهدي الرحيوي”
تكرار على سبيل الركاكة
أول ما يسترعي الانتباه في التهنئة سقوطها في سقطة التكرار، وذلك في قول الكاتب ” يسعدني أن أتقدم إلى كافة أسرة التربية والتكوين، والتلميذات والتلاميذ وكافة الأمهات والآباء وأولياء التلاميذ بإقليم تيزنيت”، إذ الأصح أن يقول “يسعدني أن أتقدم إلى كافة أسرة التربية والتكوين، والتلميذات والتلاميذ، وأمهاتهم وآبائهم وأولياء أمورهم..”.
فالتكرار لغة هو “إعادةُ اللَّفظِ الواحدِ بالعددِ أو النَّوعِ، أو المعنى الواحد بالعدد أو النوع، في القول مرتين فصاعدًا” (المنزع البديع – السجلماسي)، وهو كذلك “دلالة اللفظ على المعنى مُردَّدًا” (المثل السائر – إبن الأثير). أما اصطلاحا فيحده ابن معصوم بأنه “تكرار الكلمة أو اللفظة من مرة في سياقٍ واحدٍ، إمَّا للتَّوكيدِ أو لزيادَةِ التَّنبيهِ أو التَّهويلِ أو التعظيم أو للتَّلذُّذِ بذكرِ المكرر”(أنوار الربيع في أنواع البديع).
وقد ميز اللغويون في التكرار بين البليغ والمعيب، فأما البليغ لديهم فهو الذي يأتي لمَغازٍ دلالية يتوخاها الكاتب، فيما المعيب لديهم فهو الذي تتردد فيه كلمة، أو جملة، في فضاء يسمح بملاحظتها دون زيادة في المعنى، أي حين يتم تكرار الكلمة في أكثر من موضع مع وجود المرادف لها، أو ما يمكن أن يعبر به الكاتب دون اللجوء للإعادة المفضية إلى الركاكة. والواضح أن تكرار لفظتي “كافة” و”التلاميذ” لا يحقق أي هدف بلاغي في الجملة، وإنما يسقط المحرر في دائرة التكرار المعيب الذي يعزى عادة إلى ضحالة الزاد اللغوي للكاتب، مما يسقطه حتما في محظور الركاكة.
الفرق بين التمني والرجاء
من المؤاخذات المسجلة على الأسلوب المعتمد في تحرير تهنئة السيد المدير الإقليمي، أنه زف تهنئته إلى من تقدم بها إليهم، موظفا أسلوب التمني عوضا عن أسلوب الرجاء، وهو الأصح حسب السياق. وذلك في قوله ” يسعدني أن أتقدم إلى كافة أسرة التربية والتكوين .. بأصدق عبارات التهاني وأطيب المتمنيات”. وهذه سقطة منكرة وخطأ ممجوج. أما العلة وراء إطلاق هذا الحكم، فيمكن تلخيصها في السؤال التالي: قبل أن يقدم محرر هذه التهنئة على تسويد بياضها، هل كان يعلم أن العرب يجعلون لكل أسلوب موضعا خاصا به، بحيث يجعله هذا الموضع مختصا بدلالة دون أخرى؟ وبعبارة أخرى: هل يعلم المحرر أن ثمة بونا شاسعا بين أسلوبي التمني والرجاء؟
إن عدم إلمام المحرر بهذا الفرق الجلي قد جعله يسقط في إتيان نقيض ما أراد التعبير عنه. إذ المعلوم أن التمني يدخل في نطاق أساليب الإنشاء الطلبي، ويقصد به طلب الشيء المحبوب الذي لا يرجى حصوله. أي أنه يستخدم للإحالة على طلب المستحيل، ذلك أن هذا الأسلوب يموقع صاحبه في خانة التكاسل وعدم إقران طلبه بأي مجهود يذكر من قبل القائم بطلبه. فيما يفيد أسلوب الرجاء، المندرج بدوره ضمن أساليب الإنشاء الطلبي، طلب القائم بالطلب لأمر ممكن التحقق وغير بعيد المنال، مع الحرص على إقران الطلب بالمثابرة في السعي وراء تحقيقه.
محمد السادس: ملك أم أمير للمؤمنين؟
من الأخطاء الفادحة التي تم ارتكابها أثناء تدبيج تهنئة السيد المدير الإقليمي، عدم احترام المحرر سلطة المقام على المقال، وذلك حين تحدث عن “القيادة الرشيدة لعاهلنا المفدى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده”. فلما كان مقام التهنئة سياقها، وكان السياق الموجب لكتابتها هو حلول شهر رمضان، وكان هذا الشهر مناسبة دينية، فإن مقام هذه المناسبة يستوجب على المحرر انتقاء ألفاظ وعبارات وأساليب لغوية تناسب مقامها.
فعند حديث المحرر عن عاهل البلاد، كان الأجدر به أن يثبت له صفته الدينية “أمير المؤمنين” بدلا من الاكتفاء بإثبات صفة الملك ذات الحمولة الزمنية الدنيوية. اللهم إذا كان محرر التهنئة ينطلق من خلفية إيديولوجية لا تؤمن بنسبة هذه السلطة الدينية للملك ويكتفي بسلطته الزمنية. وإلا فمتى سيثبت له هذه الصفة إذا قرر إسقاطها في مناسبة دينية هي الأولى بإثباتها فيها؟
علامات الترقيم: عود على بدء
يعتبر “أرسطوفان”، وهو من علماء النحو الروم في قسطنطينة، أول من اهتدى إلى وضع العلامات التوضيحية في النصوص منذ القرن الثاني قبل الميلاد. وعلى الرغم من أن اللغة العربية لغة معربة تتكفل فيها الجمل المعربة بتوضيح المعاني، فإن اللغويين العرب الأوائل قد تفطنوا بدورهم إلى أهمية هذه العلامات، وذلك حين أفردوا في تصانيفهم أمكنة لمسائل “الفصل والوصل، وتسوية السطور، وفواصل الكلام، واختلاف الخطوط، ومد ما يحسن مده، وقصر ما يجب قصره…”.
غير أن عدم الاعتناء بعلامات الترقيم وإهمالها يكاد يكون علة مزمنة أصابت محرري كافة “المكتوبات” الصادرة عن المديرية الإقليمية بتيزنيت. وإذا كنا قد نبهنا إلى هذه العلة في مواضع سابقة، فلا ضير في أن نعيد التذكير بها ونحن نقرأ تهنئة السيد المدير الإقليمي. وإليكم مثالا من نص التهنئة:- إسقاط الفاصلة بين لفظة “التلاميذ” وعبارة “كافة الأمهات”.- إسقاط الفاصلة بعد لفظة “صالح الأعمال”…وغيرها
وجدير بالذكر أن جميع المنشورات الصادرة عن المديرية الإقليمية للتعليم بتيزنيت، ولا سيما المبثوثة منها على الصفحة الرسمية للمديرية على فايسبوك، عادة ما تكون مثخنة بالأخطاء الإملائية والنحوية والصرفية، فضلا عن الركاكة الأسلوبية وضعف التماسك المنطقي لبنياتها التركيبية بسبب إهمال محرريها لأدوات الربط اللغوية والمنطقية. وإن دل هذا الأمر فإنما يدل على افتقاد الأطر المكلفة بالتواصل لأدنى أبجديات السلوك التواصلي المؤسساتي من جهة، ولأساسيات الكتابة وقواعد اللغة من جهة ثانية. وهو ما يجعل الكفاءة المهنية لهذه الأطر موضع تساؤل.