تعالت أصوات، في كل اتجاه وبنبرات عالية، تطالب المجلس الأعلى للحسابات ومحكمة جرائم الأموال بالتحقيق في خبايا صفقة بناء عمارة كلفت ميزانية الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة ما يقارب مليار سنتيم شابتها اختلالات قانونية وإدارية وتدبيرية ومالية ومحاسباتية.
وبينما تبرأ عضو سابق بالمجلس الإداري للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة من كون الفترة الانتدابية للأعضاء المنتخبين بالمجلس ذاته خلال فترة تحملهم المسؤولية من كونهم صادقوا أو على الأقل ناقشوا بناء عمارة من طابقين بمقر الأكاديمية ستكلف درهما واحدا من ميزانية المجلس الاداري للأكاديمية، أكد المتحدث أن وثائق المجلس الإداري المتعلقة ببرنامج عمل سنة 2019 لا تتضمن أي مشروع بناء ولم يعرض أي مشروع من هذا القبيل كمقترح على أنظار لجنة المالية والشؤون الاقتصادية للمجلس الإداري ولم يتم التداول في شأنه على الإطلاق.
وأكد العضو السابق بالمجلس الإداري للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين أنه كلما أثرنا في اجتماعات لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بالمجلس قضية برنامج البناءات في مشروع الميزانية والمعايير المعتمدة والحاجيات المعبر عنها إلا ويتم التهرب من قبل مدير الأكاديمية، بدعوى أننا ما زلنا في طور تجميع المعطيات وتدقيق الحاجيات. وهو ما حدا بأعضاء اللجنة المذكور إلى إصدار توصية صادق عليها المجلس الإداري في دورته المنعقدة يوم الثلاثاء 28 دجنبر 2018، والمخصصة لميزانية وبرنامج عمل سنة 2019، التي تم فيها تمرير صفقة بناء عمارة المليار لا تبقي ولا تنفع، تؤكد على أنه لا يمكن توزيع البرنامج المادي إلا بعد التداول في شأنه في اجتماع اللجنة المذكورة بناء على محضر، وهو ما لم يتم إلى اليوم وتم تجاوز كل الآليات القانونية والتدبيرية كأن أعضاء المجلس الإداري غفل”، بحسب تعبيره.
وأكد المتحدث، أن مدير الأكاديمية استغل فترة 2019 وانتخابات تجديد أعضاء المجلس الإداري، كمرحلة انتقالية، ليطلق صفقة بناء عمارة داخل مقر الأكاديمية بعد هدم المقر السابق للمركز الجهوي للتوجيه المدرسي والمهني ومقصف موظفي الأكاديمية وسكن إداري من دون احترام لاختصاصات المجلس الإداري ولا أعضاءه الذي يرأسه الوزير شخصيا أو يكلف من ينوب عنه للقيام بذلك، ولا قرارته، وفي تحد سافر وتلاعب خطير بكل التوصيات السابقة للمجلس الأعلى للحسابات، التي تضرب بعرض الحائط.
وأشار المتحدث أن ما يعضد ذلك غياب ولو إشارة في محضر المجلس الإداري لنفس الدورة (28/12/2018) المخصصة للسنة المالية 2019، التي أطلقت فيها صفقة بناية المليار العجيبة، والذي وزع على أعضاء المجلس الإداري بمن فيهم والي جهة سوس ماسة وعمال العمالات والأقاليم ورئيس مجلس جهة سوس ماسة ورؤساء المجالس الإقليمية ورؤساء الغرف المهنية، من بينهم رجال دولة وبرلمانيون، وكذا الأعضاء المنتخبون ممثلي جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ وممثل جمعيات التعليم الأولي وجمعيات التعليم المدرسي الخصوصي الذين أعيد انتخابهم. وقد استغل مدير الأكاديمية الفترة المخصصة لإعادة انتخابات وتجدد أعضاء المجلس الإداري المنتخبين، على حين غفلة، لإطلاق طلب عروض لبناء عمارة الأكاديمية التي فتحت أظرفتها يوم 27/11/2019 تحت رقم 50/INV/ 2019، في حين عشرات المشاريع ذهبت سدى ولم تنل حظها من الاهتمام لسبب بسيط تهم التلميذ وليست من أولويات إدارة الأكاديمية.
ومن بين الخروقات التي طالت العمارة المليارية، أن صفقة بناءها داخل مقر أكاديمية سوس ماسة ممنوعة قانونا لأن منشور رئيس الحكومة يمنع بناء المقرات الإدارية إلا بترخيص استثنائي، شأنه شأن اقتناء سيارات المصلحة. كما أن العمارة المذكورة (التي صار تنعت خارج الأكاديمية ببناء أكاديمية جديدة) ليست من الأولويات حاليا، مادام أن مكاتب مقر الأكاديمية كافي لتقديم الخدمة لفائدة المرتفقين، وأن العمارة المليارية سيخصصها المدير لتشييد مكتبه وسكرتاريته وثلاث قاعات اجتماعات هي في الأصل زائدة عن اللزوم ومتوفرة بمقر الأكاديمية (وهو من جدد عتادها بسند طلب)، أحدها أعاد نفس المدير إصلاحها (بعد أسابيع على تعيينه) كاملة بناء وتأهيلا وتجهيزا بكلفة تناهز 40 مليون سنتيم ولا تشتغل إلا لماما، دون احتساب قاعات المركز الجهوي للتكوين المستمر التي تتجاوز ثمانية وخمس قاعات اجتماع أخرى بمقر الأكاديمية لا تستمعل إلا لماما..
بالإضافة إلى هذا التجاوز الخطير لمدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين سوس ماسة، المتمثل في انجاز مشروع لم يصادق عليه المجلس الإداري للأكاديمية منذ التحاقه بها في يونيو 2018. وهذا خرق لمقتضيات المادة الخامسة من القانون رقم 07.00 وضرب لكل توصيات المجلس الأعلى للحسابات وتجاوز لحكامة المؤسسات. وهو أيضا خرق لمقتضيات المرسوم رقم 2-94-233 الخاص بنظام تكييف وتصنيف مقاولات البناء والأشغال العمومية كما تم تتميه وتغييره بقرار السيد وزير التجهيز والأشغال العمومية رقم 1394-14.
ولمعرفة تفاصيل الخروقات المؤلمة والصادمة التي تم الدوس عليها وتجاوزها عنوة وبلا هوادة في صفقة عمارة المليار، (من بين الصفقات الكثيرة التي ستنشر تباعا)، فقد عمد مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة إلى الإخلال بمبدأ المساواة في ولوج الصفقات العمومية بإقصاء المقاولات التي كان لها الحق في المشاركة في طلب العروض المذكور، وتوجيهه المنافسة لصالح مقاولات القطاع – أ- الخاص بالأشغال الكبرى الصنف 3 واقصاء مقاولات الصنف 4 من نفس القطاع والتي يحق لها المشاركة بناء على التكلفة التقديرية للأشغال الكبرى للمشروع مع احتساب الرسوم والتي لا تتجاوز عتبة 350 مليون سنتيم وفق ما تبينه التكلفة التقديرية للمشروع، المحددة بالمادة 5 من القرار رقم 1394-14 المتمم للمرسوم رقم 2-94-233.
هذا الخرق القانوني الفادح والمتعمد الأعوج الأعرج، كان هو السبب المباشر في مشاركة شركة واحدة ” Sté MASKRT TRAVAUX” رسي مقترحها المالي على 4787340،00 درهم ، بزيادة ما نسبته 19.96% على القيمة التقديرية للمشروع والمحددة في 3991800،00درهما. هذا مبلغ كان من الأجدر أن يوفر لإعادة بناء مدارس مهددة بالانهيار أو بالقرب من مجاري الوديان أحصتها الأكاديمية قبيل إطلاق صفقة بناء العمارة في 230 مدرسة مهددة محصية (كما كشف عنها مدير الأكاديمية في ندوة صحفية )، لو تم الحرص على الأولويات وترتيبها واعتماد التشارك في التخطيط والبرمجة والحرص على ترشيد المال العام بدل هدره بهذا الشكل المريب وسط صمت الجميع، وفي تغييب تام لمصلحة التلاميذ التي يجب أن تكون أولى الأولويات وفوق كل اعتبار، وأن ترصد ميزانيتها لذلك بذلك هدرها في بناء أضخم عمارة ومقر إداري بالمغرب.
قراءة بسيطة من طرف الخبراء لصفقة عمارة المليار سنتيم، تفيد أن عددا من الصفقات التي لم تتجاوز نسبة الزيادة بها 15 في المئة أطلقتها المديريات الاقليمية ورفض مدير الأكاديمية المصادقة والتأشير عليها، وهي في نهياة السنة الماضية 2019، مقابل المصادقة والتأشير على صفقة عمارة المليار التي رشحت لها شركة وحيدة تجاوزت المبلغ المقترح من طرف الادارة بما يقرب 20 في المئة وأشر وصادق عليها سعادة المدير الجهوي؟! بينما تحرم مشاريع صفقات أقل من زيادة عمارة ولا تنفع تلاميذ المنظومة التربوية في شيء وتم إلغاؤها وإقبارها بخلفيات تتثير الگثير من التساؤلات مما حرم أبناء الفيافي والقرى والأرياف والضواحي من مشاريع تعليمية لا إدارية، وبقي عدد من المديرين الاقليميين يتساءلون: لماذا سياسة الكيل بمكيالين ولماذا التمييز؟؟ ولماذا الرفض؟ ولماذا التواطؤ المكشوف المفضوح؟ ولمصلحة من هذا الاقصاء؟ وليس بمثل هذه القرارات المتسرعة نخدم الأجندات؟؟.
ويضاف إلى تلك المآسي كلها، التي تتطلب التحقيق القضائي لا الإداري فحسب، مصاريف العمارة المليارية بدءا من الدراسات ومصاريف هدم البناية التي تبنى عليها العمارة اليوم واعتمادات المهندس المكلف بالأشغال ومصاريف مكتب المراقبة ومصاريف الرخصة ومصاريف الربط، دون إغفال مصاريف التجهيز والمعدات المكتبية والصوتية والإدارية..الله أعلم كم سيصل ثمنها لمن ستمنح والشكل الذي ستمنح به هل بسندات طلب أم صفقة أو بصفقات كيف ستمنح وبكم مبلغها؟؟.
وكان حريا بمدير الاكاديمية أن يضع في مقدمة اهتماماته استغلال الاعتمادات المالية المرصودة لبناء هذه العمارة في تهيئة المؤسسات وتوسيع الداخليات وبناء أقسام التعليم الأولي وتعويض البناء المفكك وتوفير العتاد الديداكتيكي التي كانت مبرمجة برسم السنة المالية 2019 وبعدها في 2020، كما حرص على تتبع أشغال البناية الملارية صباح مساء على مقربة من أمتار على مكتبه.
ومما يؤكد التواطؤ الفج المشكوف، توجيه المنافسة بخصوص هذا المشروع، صمته وتغاضيه عن المقاولة المشرفة على إنجاز الأشغال بالسماح لها بانجاز مجموعة من الأشغال التي لا تدخل ضمن مجال تخصصها. وهذا ضرب لمقتضيات قانون تصنيف وتكييف مقاولات البناء والأشغال العمومية عرض الحائط. فالمقاولة المذكورة المحظوظة بصفقة البناء، الذي شرع فيه في زمن كورونا (شهر يونيو 2020، لا تتوفر بناء على شهادة تصنيفها المتوفرة بموقع وزارة التجهيز والنقل، والتي تحمل الرقم MA/280 إلا على عدد ضئيل من المؤهلات، كما تفتقر لجميع المؤهلات التي تمكنها من إنجاز الأشغال الكبرى وخاصة المؤهل A1 الخاص بحفر الأساسات والتي لا يمكن إنجازها باللجوء إلى التعاقد من الباطن، وكان لزاما على مدير الأكاديمية فرضها ضمن شروط المنافسة.
وفي تحليل قانوني للخبراء، تبين هذه الشهادة أن المقاولة المعنية لاتتوفر على مؤهلات تمكنها من إنجاز جميع الأشغال المضمنة بجدول الأثمان وخاصة أشغال القطاعات التالية : القطاع S الخاص بأشغال انجاز المصعد الأوتوماتيكي وأشغال القطاعين K و J الخاصين بأشغال الكهرباء والتيار الخفيف، أشغال القطاع L الخاص بأشغال النجارة وأشغال القطاع P الخاص بأشغال الجبس، ناهيك عن افتقار هذه المقاولة لمؤهلات إنجاز أشغال العزل الحراري وغيرها، وبناء على مقتضيات المادة الثالثة من مراسلة السيد وزير التجهيز والاشغال العمومية عدد DAT.31.2065 الصادرة بتاريخ 28/06/1995 ، فإن المقاولة المذكورة لا يحق لها إنجاز الأشغال التي لا تدخل ضمن مجال اختصاصها واللجوء بذلك للتعاقد من الباطن مع مقاولات تتوفر على المؤهلات المعنية وإنجاز هذه العقود وفق ماتنص عليه مقتضيات القانون.
ما يقع خطير جدا ومؤلم وصادم نشرنا بعضه… يستوجب تدخل المجلس الأعلى للحسابات ورئاسة الحكومة والمفتشية العامة لوزارة الاقتصاد والمالية والجهات المانحة الدولية التي تدعم إصلاح قطاع التعليم، دون ذكر المفتشية العامة للشؤون الإدارية والمالية بقطاع التربية الوطنية التي تدعم بصمتها هذه الخروقات.
في انتظار ملفات أخرى ، هل هيئات حماية المال على علم بما يقع بهذه الأكاديمية؟ وهل ستتدخل الجهات الوصية لجبر الضرر الذي لحق أبناء وبنات سوس ماسة وترتيب المسؤوليات والجزاءات؟ وهل سيتم تفعيل آليات ربط المسؤولية والمحاسبة ترتيب الجزاءات القانونية في ملفات كثيرة تاهت في دهليز مقر الأكاديمية بين ميزانتي الاستغلال والاستثمار، بين سندات الطلب وصفقات وعقود؟