“من غشنا ليس منا” كلام ينسب إلى سيدنا محمد ابن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم … الأهم أن في السنوات القادمة سوف تكون العبارة كالتالي: من لم يغش معنا فليس منا. والغش معناه الاحتيال وهو ما يعني خداع شخص آخر لتجاوزه.
عند مصب كل نهر يتسع مجراه طبعاً إذا كنا نتحدث عن الحدث الطبيعي أما في حالة الحديث عن الحدث البشري ربما قد يكون ذلك أو لا يكون لا من حيث المنبع ولا من حيث المصب؛ في السنوات القليلة الماضية كنت من من يعتقد بأن الغش محارب من طرف كل المؤسسات المشرفة على العملية التعليمية والتربوية في المجتمع، إلا أن هذا الأسبوع صادف تصفحي في الفيس بوك فيديو بصوت فتاة (قد تكون تلميذة وقد لا تكون) تبكي وتشتكي من الغش وعن عدم تشديد الحراسة ومنع كل حالة غش لأن الذين يلجؤون إلى هذه العملية لم يبذلوا أي مجهود على طول السنة ويوم الامتحان يأتون بآليات متطورة (سماعات خفية أوراق صغيرة مطوية أو ملوية…) و يحصلون على معدلات مرتفعة في حين الذين بذلوا جهودهم وسهروا الليالي واتعبوا الأم والأب والأخوة كذلك في خدمتهم أيام المراجعة المكثفة سيحصلون على معدل نفسهم أو أقل منهم لأن معيار التصحيح واحد يسري على الجميع، تابعت التصفح أكثر ووجدت فيديوهات أخرى هنا وهناك باوجه بتعليقات تلامذة مختلفين تصفحت أكثر وأكثر حتى وقفت على إعلان قديم للدكتورة رشيدة أحفوظ في صفحتها عن حلقة في برنامج اجتماعي مداولة على موضوع الغش في امتحان الباكالوريا. ومن تم التأكد من مسألة جعل بعض المجتمعات أدوات في يد المؤسسات الاقتصادية الخاصة أو العامة، حيث مصبهم واحد في نهاية المطاف. وما عليك سوى تقبل العبارة التالية: الدولة باعتبارها ملكية خاصة تسعى عن طريق المدرسة ومؤسساتها المختلفة إلى بناء مجتمع طيع وخضوع ومستجيب لكل ما يملى عليه.
على ما يبدو كل المنظومات التربوية والتعليمية تدرك إدراكا تاما ما يقع (الغش) في المؤسسات التابعة لها حكومية كانت أم خاصة، ولا وجود لأي مؤسسة خاصة ان لم يكن هدفها خدمة الأيديولوجيا الرسمية للنظام الرأسمالي الحاكمة في الرقعة الجغرافية والسياسية التي تنتمي إليها.
الغش هو ظاهرة يمارسها الأغلبية من التلاميذ والطلبة معا ويستنكرها القليل منهم، لكنها تعرف انتشاراً واسعاً في ما بين الأقران في كل المستويات التعليمية، نعم فكل تلميذ ينصح زميله بها، وقليل من يقول لأحد زملائه لنلتقي من أجل الاستعداد للامتحان بقدراتنا وإنما لنلتقي لإعداد أجوبة محتملة ستكون مطلوبة في الامتحان أو لتصغير كل الدروس – ربما- حتى نتمكن من إدخالها معنا يوم الامتحان، او يسأله هل وجدت من يرسل لنا الأجوبة في مادة كذا وكذا؛ النقلة بكل اختصاص.
هل من الصعب على رجال القطاع الحد منها، إذا كانت الإجابة “نعم” فإن الكل يقر بضعف ذلك الجهاز، لكن لا نعتقد نحن ولا أنت بأنه غير قادرة على ذلك، ولكن لما الصمت عليها ضمنيا ومعارضتها ظاهريا؟
الامتحانات الإشهادية المحلية في المؤسسات التعليمية (الخاصة) بإمكانها أن تكون نموذج وفق ما هو شائع في منصات التواصل الاجتماعي (رغم عدم ثقتنا بما هو شائع)؛ إذ تكون مهمة الهيئة المكلفة بالحراسة هي الحرص على توفير جو ومحيط للممتحن لأخذ المعلومات في ورقة أحضرها -وإن لم يحضرها فهي تحضر له في الحين- معه بطريقة أو بأخرى لورقة الامتحان. ومن ثم تكون مهمة المصحح والمشرف هي تمحيص وقياس قدرة صاحب الإجابة في مدى قدرته على وضع الأجوبة التي أحضرها إجابات للأسئلة المطروحة أمامه بشكل صحيح. فإذا قام بذلك بالشكل المثالي والمطلوب فإنه يحصل على العلامة أو النقطة المقابلة لكل مطلب. من هنا تتحول مهمة التلاميذ من إنسان مفكر وناقد ومحلل… إلى إنسان آلي بيولوجي. لان كل الإجابات المقدمة للتقييم لم تكن من فكره وقدرته على التذكر. وهذا هو الكائن البشري المطلوب وبشدة في أوراش العمل والمؤسسات الرأسمالية. وهو ما سماه بركنز بالإنسان الآلي البيولوجيوي في العالم الاقتصادي، وحسب بركنز فإنه كائن بشري مبرمج على ثلاث مسائل أساسية: أولا الحصول على المتعة التي لن يعيشها بالمجان؛ ثانيا الجشع؛ وأخيرا الشعور بالخوف؛ هو الإنسان الاقتصاد. وفي سياق حديثنا هنا فإنه آلة بيولوجية مخنوقة التفكير والإبداع.
وبما انه عملية احتيال وخداع لكل من عمل بمجهود الشخصي بدنيا و هنيئا، والغشاش يصعد إلى ما تم التنافس حوله فإن ذلك المغشوش محروم من حق من حقوقه انطلاقا من الثقة العمياء بالهيئة المشرفة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تلك الفئة الغشاشة الغاشمة في تزايد أم في تقلص؟
الفرضية المحتمل صحتها هي أن هذه الفئة الغاشمة في تزايد مستمر. وعليه تكون الأطراف الأخرى في سلة المظلومين في دولة الحق والقانون، نعم ذلك ما نهدي إليه؛ أي أن مسألة تحطيم مجهودات الأفراد المبدعين والمجاهدين بدرجات مختلفة عن طريق القمع الخفي وغير المشروع. مما سيدفعهم إلى المطالبة بحقهم في الغش وهو كذلك أي مطالبة الناس بأن تكون كائنات آلية بشرية. مما يلزم الأطراف المعنية التدخل من أجل الحد من هذه الآفة، وذلك ما لم ولن يحدث على الإطلاق، وسيكون تدخلهم من أجل وضع قانون ينظم ويطرح ويقنن الغش في الامتحانات داخل المؤسسات بكل أنواعها مادامت هي في خدمة أيديولوجية الجهاز المؤسساتي القائم.
وختاما يتضح أن النهر الطبيعي هو النهر الذي يعرف استقرارا تاما إذا لم يتدخل في مجراه الكائن البشري، أما نهر هذا الأخير فيعرف منبعا موحدا كما في الطبيعي ويعرف اتساعا في مصبه، اذ كل الأطراف سوف تسقى منه. وقد يعرف اتساعا في منبعه إذ أن غالبية الأطراف تعمل على تقوية مجراه ليكون مصبه واحدا وهو خدمة المؤسسات المصرفية والرأسمالية.
محمد مونا