يعرف تمرير وتدبير الصفقات العمومية التي تشرف عليها الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة سوس ماسة ومصالحها الإقليمية، خاصة تلك التي تهم مجال البنايات المدرسية، خروقات خطيرة نتيجة التخبط وعدم الإلمام بالمبادئ الأساسية لتنظيم وتنفيذ الصفقات العمومية، الشيء الذي يفضي بالقائمين على هذه الصفقات الى أعمال تتجاوز هدر المال العام و تتسبب في عرقلة السير العادي للدراسة بل وتتم في غياب ابسط إجراء مرتبط بتأمين التلاميذ والموظفين من مخاطر الأشغال التي يتم تنفيذها بالمؤسسات التعليمية. كما يتم ذلك في غياب أدنى المبادئ الاساسية المرتبطة بالجانب المعماري للمؤسسات التعليمية وذلك بتشويه المنظر العام لهذه الاخيرة، والنيل من جماليتها نتيجة تنفيذ مجموعة من العمليات غير المتناسقة.
وقبل الحديث عن التجاوزات التي تصاحب تنظيم وتنفيذ الصفقات العمومية الخاصة بالأشغال على مستوى الجهة والمديريات الاقليمية التابعة لها، تجدر الإشارة ان الإدارة الجهوية تتحمل كامل المسؤولية فيما يعرفه اعداد البرامج المادية من خروقات، فهذه البرامج المادية من جهة تتميز بعدم التناسق بحيث لا يتم اعتماد أية عدة موحدة من قبل الجميع و أن اعداد تلك البرامج يتم على مستوى المديريات الاقليمية بارتجالية شديدة، ويتم في غياب تفعيل أي لجنة على المستوى الإقليمي لدراسة جدوى العمليات التي يتم إدراجها بهذه البرامج المادية.
ومن جهة ثانية، فطريقة اعداد هذه البرامج المادية تبرز الغياب التام لمصالح الأكاديمية في تأطير ومواكبة اعدادها، حيث أن دور الأكاديمية ينحصر فقط في تجميع ما تقدمه المديريات الاقليمية، في غياب لأي قراءة نقدية لما تم إعداده وفي غياب أي تقييم لمدى استجابة ما تم إعداده للتوجهات الأساسية للوزارة، سيما تلك التي ترتبط بتنزيل مضامين القانون الإطار، كما يتم في غياب أي رؤية للتنزيل السليم للعمليات المبرمجة.
ولعل تأخر توصل المديريات الاقليمية بالبرامج المادية المعنية لخير دليل على سوء التدبير الذي ينخر جسم أكاديمية سوس مسة، مما يستوجب مساءلة المتسببين في ذلك. فعلى سبيل المثال جميع المديريات الإقليمية لم تتوصل إلا اواخر هذا الشهر بنسخ أولية للبرامج المادية، الشيء الذي سيؤثر سلبا وبلا شك على سرعة التزام الإدارة بتنفيذ تلك البرامج، كما سيكون ذلك السبب الرئيسي لضياع الاعتمادات المالية التي ترصدها الدولة للمؤسسات التعليمية.
أن هذا الوضع يطرح أكثر من علامة استفهام حول صورية المجالس الإدارية التي صادقت على البرنامج المادي للاكاديمية منذ أوائل شهر دجنبر من السنة 2020 لكون إعداد البرامج المادية المذكورة ثم ارسالها للمديريات الاقليمية إلا مؤخرا كما تم ذكره.
بالرجوع إلى ملفات طلبات العروض التي يتم الإعلان عنها من قبل المصالح الداخلية والخارجية للاكاديمية الجهوية لسوس ماسة، وفي محاولة لفهم الكيفية التي يتم بها تمرير صفقات الاشغال خاصة، نجد ان المصالح الداخلية والخارجية للاكاديمية الجهوية سوس ماسة، تعمد الى إعداد وتنظيم العمليات المضمنة بهذه الملفات وذلك بتجميع العمليات حسب فصول الميزانية، بمعنى آخر يتم تنظيم الصفقات بتجميع عدد من المؤسسات ضمن نفس الصفقة لإنجاز نوع من الأشغال مثل بناء المرافق الصحية، وتجميع عدد آخر من المؤسسات ضمن صفقة اخرى لانجاز نوع آخر من الأشغال مثل بناء الاسوار، وكذلك الشأن لباقي العمليات من بناء حجرات التعليم الاولي، وبناء المكتبات، وتأهيل وإصلاح البنايات، كما الربط بالماء الصالح للشرب، والربط بالكهرباء، وإنجاز الولوجيات … الخ، عوض تنظيم هذه العمليات حسب كل مؤسسة على حدة لترشيد عدد المتدخلين بكل مؤسسة وترشيد النفقات المرتبطة بتنزيل تلك المشاريع.
ان الطريقة المتبعة من قبل الأكاديمية ومصالحها الإقليمية لصرف المالية العمومية تتم بناء على ذلك في ضرب عرض الحائط للمبادئ الأساسية التي يبنى عليها تمرير الصفقات العمومية التي جاءت بالمادة الأولى من قانون الصفقات العمومية والتي تلزم الإدارة باعتماد مبدأ الحكامة الجيدة للصفقات العمومية وترشيد النفقات، كما أن تلك الطريقة تتعمد معاكسة توجه الوزارة القاضي بالتأهيل المندمج للمؤسسات التعليمية واعتماد مبدأ الحكامة الجيدة الذي يبقى حبرا على ورق في كل ما يتم القيام به بهذه الجهة.
فبسبب الطريقة المعتمدة في تنظيم العمليات المضمنة بالبرامج المادية ضمن ملفات طلبات العروض وتمرير الصفقات العمومية، والتي تتميز بناء على ما سبق بسوء التدبير وغياب الحكامة، نجد تعاقب افواج من المهندسين المعماريين، ومكاتب الدراسات ومكاتب المراقبة التقنية، والمختبرات والمقاولات المكلفة بتنفيذ الاشغال على مجموعة من المؤسسات، وهو أمر غير منطقي ولا يتقبله عاقل، حيث يشتغل كل من هؤلاء على تصميم مشروع من المشاريع بطريقته الخاصة، فتتعدد التصاميم بنفس المؤسسة، مما يفقدها التناسق والجمالية، ويؤدي ذلك إلى إنجاز اشغال يغيب عنها التناسق المعماري ويربك عمل المقاولات المكلفة بالتنفيذ، كما يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة الإنجاز، ناهيك عما يسببه ذلك من إطالة مدد تنفيذ الاشغال بالمؤسسات التعليمية بحيث أن الأشغال لا تكاد تنتهي ببعض المؤسسات.
فهل عجز مخططو ومتصرفو هذه البنايات جهويا وإقليميا عن فهم اول مبدأ من مبادئ الحكامة الجيدة التي يفرضها قانون الصفقات العمومية في هذا المجال؟! وهل يعي هؤلاء جسامة تبعات هذا الفعل الذي يترتب عنه تبديد الأموال العمومية بمضاعفة نفقات المهندسين المعماريين ومكاتب الدراسات ومكاتب المراقبة والمختبرات؟! وأين مصالح المفتشية العامة للوزارة من هذه العشوائية في صرف مالية القطاع بالجهة؟!
ان هذا الوضع يفرض التدقيق فيما تم إنجازه بقطاع التعليم بسوس من قبل المؤسسات الدستورية المكلفة بمراقبة صرف المالية العمومية بكل استعجال، وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات، وذلك لوقف النزيف الذي ينخر جسم القطاع بهذه الجهة العزيزة وترتيب المسؤوليات ومعاقبة كل المتسببين في هذا العبث وكل المشاركين فيه.
وفي سياق متصل فإن لجن المجلس الأعلى للحسابات لا تخفى عليها مثل هذه الخروقات التي تأتي على ملايين الدراهم من المال العام من خلال برمجة صفقات على المقاس بعد تفتيت البرامج المادية، بدل توليف الحاجيات بعد تحليل وثيقة الميزانية وتفكيك شفراتها وتجميع الحاجيات والتوليف بينها وضبطها بشكل سليم في صفقة واحدة تشمل المؤسسا في جميع حاجياتها وتجنب مضاعفة نفقات المهندسين المعماريين ومكاتب الدراسات ومكاتب المراقبة والمختبرات…
هذا ما جعل العديد من المختصين يطرحون تساؤلات عريضة من قبيل هل يفتقد أغلب المسؤولين بالأكاديمية ومصالحها الإقليمية -الذين يدعون العلم والمعرفة ويتبجحون بالدراية/القفوزية بمن فيهم مفتشي التخطيط والمصالح المالية والمادية – لميكانيزمات تفكيك شيفرات الميزانية بلغة البرمجة والموزنة؟! أم أن هذه العملية تتم عن قصد وبسوء نية؟! وإن كان كذلك فلصالح من؟! حتى باتت إدارة قطاع التعليم بسوس ماسة تنعت من قبل الكثير من الشركاء والمتتبعين بمستنقع التخلف والجهل والإعاقة في برمجة وتمرير السفقات وتنفيد المشاريع التي تتطلب الصرامة ودقة.
واستغرب المختصون تأخر تحرك لجان المفتشية العامة للشؤون الإدارية والمالية التي تتتابع مجريات الأحداث وتضعها تحت المجهر، ولا تخفى عليها مثل هذه الخروقات التي كانت السبب في تبديد ملايين الدراهم من المال العام، فيما فسر البعض تأخر لجان الخبير الحسين قضاص لتبعات جائحة كورونا وماتعرفه المملكة من تدابير احترازية.
ويرى الخبراء أن أي منهجية في الافتحاص لا تتناول الصفقات في شموليتها من البرمجة حتى التنفيد لن يتمكن القائمون عليها من تحديد مكمن الخلل، لأن تناول الصفقات ملفا بملف لن يمكن المفتحصين من الوقوف على الطريقة الفضيعة التي تبدد بها الأموال العمومية بجهة سوس ماسة.
وفي المقابل فإن الخبيرة لالة زينب العدوي-الشريفة- رئيسة المجلس الأعلى للحسابات عارفة بأدق تفاصيل وخبايا التعليم، وقد بلغها ما يقع بقطاع التعليم بجهة سوس مسة ومديرياتها الإقليمية، غذاة تعيينها من قبل جلالة الملك على رأس المجلس الأعلى للحسابات خلفا لإدريس جطو.
هذا وأسرت مصادر عليمة باقتراب حلول لجان الشريفة من الرباط لافتحاص صفقات سنوات عدة من تدبير الأكاديمية، والتي ترجح مصادر عديدة أنها ستكون السبب في قطف الكثير من الرؤوس المقتنعة بما ينتظرها في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة.
بوتفوناست