في سياق التحولات الكبرى التي يعرفها المغرب استعداداً لتنظيم كأس العالم 2030، تبرز مبادرة “جيل 2030” كنافذة جديدة لإعادة التفكير في العلاقة المعقدة بين الشباب والسياسات العمومية. وفي مقال سياسي تحليلي نشره الدكتور كمال اسبري، رئيس المجلس الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة بجهة سوس-ماسة، يتوقف عند هذه المبادرة بوصفها لحظة تجديد فكري وسياسي تستحق الإشادة، لما تحمله من دلالات رمزية وتوجهات جديدة تضع الشباب المغربي في صلب النقاش العمومي، ليس كمجرد فئة مستهدفة، بل كفاعل وشريك في صياغة مستقبل البلاد.
يبرز الدكتور اسبري التباين القائم بين الرؤى السياسية والاجتماعية بشأن المبادرة، لكنه يرى فيها فرصة حقيقية لإحداث قطيعة مع المقاربات التقليدية، ولبناء تصور جماعي جديد يُعيد الاعتبار لدور الشباب في قيادة التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ينشده المغرب. وبين أسئلة الحاضر ورهانات المستقبل، يدعو الكاتب إلى نقاش جريء، يتجاوز الشعارات، نحو سياسات فعلية تعزز الثقة وتفتح الآفاق أمام جيل شاب يتطلع للمساهمة في كتابة فصل جديد من تاريخ المغرب.
وفيما يلي نص المقال كما نُشر على الموقع الرسمي لحزب الأصالة والمعاصرة:
قد تختلف الرؤيا بين الفاعلين الاجتماعيين والفرقاء السياسيين حول رؤية جيل 2030، لكن المبادرة تستحق الإشادة لما لها من تجديد على مستوى الفكرة والنقاش الدائر حول الشباب والسياسات العمومية بالمغرب.
التجديد يكمن في كون الفكرة في حد ذاتها شبابية وتدعو شباب المغرب للانخراط في نقاش جدي حول ما يحتاجه المغرب بدءا من اليوم إلى ما بعد تنظيم كأس العالم.
ففي خضم هذه النقاشات، برزت مبادرة جيل 2030 كمحاولة لإعادة تشكيل العلاقة بين الشباب والسياسات العمومية.
هذه المبادرة والتي تختلف حولها الرؤى بين الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، تحمل في طياتها وعودا بتجديد آليات التفكير والتخطيط للمستقبل وتعكس أيضا عمق التحديات التي تواجه الشباب المغربي في العقد القادم.
إن ما يجعل جيل 2030 مختلفا عن المبادرات السابقة هو كونه مشروعا شبابيا، لا ينطلق من المؤسسات التقليدية أو من الأوساط السياسية الضيقة، بل يضع الشباب، شباب المغرب، في قلب النقاش حول مستقبل البلاد.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيظل هذا المشروع مجرد شعار رنان، أم أنه قادر على التأثير الفعلي في صناعة القرار؟.
المغرب يستعد لتنظيم كأس العالم 2030، وهي لحظة تاريخية لا تقتصر على الرياضة فقط، بل تعني الكثير في سياق التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وإن كان الحدث الرياضي واضح المعالم، فإن السؤال الأهم هو: أي مستقبل يرسم لشباب اليوم حتى يكونوا مستعدين لذلك الموعد، ليس فقط كمشاهدين أو مستفيدين من فرص العمل المؤقتة، بل كفاعلين حقيقيين في التحولات التي يعرفها المغرب؟.
جيل 2030 لن يكون مجرد جمهور لكأس العالم، بل يفترض أن يكون هو الذي يدير الشركات الناشئة ويقود المؤسسات ويصنع السياسات.
إلا أن الواقع الحالي يكشف عن تحديات ضخمة تتعلق بضعف إدماج الشباب في سوق الشغل، ومحدودية تمثيليتهم في مواقع القرار، فضلا عن أزمة الثقة بين الشباب والمؤسسات.
وإذا كانت هذه المبادرة تسعى إلى إعادة ربط الشباب بمستقبلهم، فإن ذلك لا يمكن أن يتم دون طرح أسئلة جوهرية حول جودة التعليم وفرص الشغل ودور الشباب في بلورة السياسات العمومية.
التحدي ليس فقط في خلق فرص اقتصادية، بل في إرساء ثقافة تعيد للشباب الإحساس بكونهم شركاء حقيقيين في صنع المستقبل.
جيل 2030: أي سيناريوهات ممكنة؟
هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لما يمكن أن يكون عليه جيل 2030:
1- سيناريو الاستمرارية: يستمر الوضع الحالي، حيث تبقى العلاقة بين الشباب والمؤسسات مشوبة بالحذر، مع استمرار النقاشات دون تأثير حقيقي على السياسات.
2- سيناريو التغيير التدريجي: يتم استغلال الدينامية التي خلقها الاستعداد لكأس العالم 2030 لإطلاق إصلاحات حقيقية تعزز إشراك الشباب، سواء عبر خلق فضاءات جديدة للحوار أو دعم المشاريع المبتكرة.
3- سيناريو القطيعة: يظهر جيل جديد من الشباب، يعتمد على أدوات رقمية جديدة للتأثير في السياسات، بعيدا عن القنوات التقليدية، مما يفرض على الدولة إعادة التفكير في علاقتها به.
وبالنظر لهذه السيناريوهات، تعتبر المبادرة أفضل وسيلة لحلحلة الواقع السياسي بالمغرب، فهي ليست مجرد حملة دعائية أو شعار سياسي، بل هي استراتيجية واضحة تهدف إلى صياغة المستقبل برؤية جديدة وبأفكار مبتكرة وبإشراك أطر شابة قادرة على مواكبة التحولات العميقة التي يشهدها المغرب والعالم.
لقد حان الوقت ليجد الشباب المغربي مكانه الطبيعي في المشهد السياسي، ولسماع صوت جريء وحامل لأفكار إبداعية وراغب في تغيير الواقع بطرق جديدة وواقعية.
ذ.كمال اسبري
رئيس المجلس الجهوي للحزب بجهة سوس- ماسة
التعليقات - جيل 2030 بين الواقع والتحدي: هل يتحول المشروع إلى قوة اقتراحية حقيقية؟ :
عذراً التعليقات مغلقة